إطلاق المشروع الريادي (الناشئ) يتم في مجموعة من الخطوات. بالإمكان تبسيطها في أربع خطوات أساسية تحوي كل منها مجموعة من المهام التي على رائد الأعمال القيام بها. هذه الخطوات هي:

  1. دراسة الفكرة وبناءها باستخدام نموذج العمل
  2. تجربة الفكرة واختبارها ببناء MVP
  3. التجهيز لإطلاق الفكرة وبناء الخطة
  4. إطلاق المشروع الريادي والبدء بالتعديل والتحسين

يشبه ريد هوفمان مؤسس موقع لنكدان LinkedIn ريادة الأعمال بأنها القفز من حافة الجبل ومن ثم تصنيع الطائرة اثناء سقوطك من الأعلى. ذلك يعني أن عليك الإسراع بتصنيع طائرتك وتركيبها بأسرع وقت ممكن قبل أن ترتطم. ذلك يعني أيضا، أن نسبة نجاتك في مشروعك الريادي، محدودة جدا.

التشبيه بليغ للغاية لأنه يذكرك بأن رحلة المشروع الريادي هي رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر مع نسبة فشل عالية نسبيا. لهذا السبب وضعت طرق كثيرة لتزيد من مرونة الريادي وسرعته في بناء المشروع الريادي وتقليل نسبة الفشل، أوعلى الأقل تقليل تكاليف هذا الفشل. أهم هذه الأدوات على الإطلاق هي أداة لين ستارت اب Lean Startup التي تساعد الريادي في تجربة مشروعه واختباره بشكل سريع ومنخفض التكاليف، ومن ثم بناء مشروعه وتكبيره عندما يصل للحظة المناسبة.

كمحاولة من موقع ألِف ستارت أب لتبسيط هذه الرحلة، فقد تم إنشاء خريطة كاملة تساعد في بناء المشروع الريادي خطوة بخطوة باستخدام منهجية لين ستارت اب، مع توفير دورات وشروحات لكل خطوة منها. 

ستساعدك هذه المقالة في فهم خريطة المشروع الريادي وكيفية استخدامها لتتمكن من تطبيقها على مشروعك.

مراحل خريطة المشروع الريادي

١. دراسة الفكرة وبنائها باستخدام نموذج العمل

تبدأ رحلة مشروعك من الفكرة. قد تكون لديك فكرة ترى أنها رائعة لتتحول إلى مشروع ناشئ. خطوتك الأولى دوما هي أن تقوم ببناء نموذج العمل الخاص بفكرتك.

نموذج العمل - خريطة نموذج العمل  لين ستارتب

نموذج العمل هو الأداة الأساسية التي ستجعلك تنظر لفكرتك بشكل مختلف. ستجعلك تفكر جيدا بالجمهور الذي ستستهدفه وكيف ستصل لهم وتبني علاقتك معهم.  كما سياساعدك في في فهم الأنشطة والموارد والشراكات التي ستحتاجها لتتمكن من بناء مشروعك. كما ستجعلك تتعرف على آلية حصول مشروعك على الإيرادات المالية وماهي التكاليف والمصروفات التي ستصرفها عليه.

ذلك سيعطيك صورة شاملة لفكرتك ليس كفكرة طليقة في الهواء، وإنما كفكرة مبلورة تتضح مدى إمكانية نجاحها وتطبيقها في السوق. كما أن نموذج العمل أصبح أساسيا اليوم للتواصل مع المستمثرين أو المشاركة في الحاضنات أو المسابقات الريادية المختلفة. لذلك فإن تعلم هذه الأداة واستخدامها لا غنى عنه أبدا لإنجاح فكرتك. 

مما سيساعدك في فهم عملائك بشكل أفضل هو دراستهم ودراسة خصائصهم وتعديل المنتج بما يتناسب معهم.

الآن وبعد أن أصبح لديك نموذج عمل لفكرتك، حان الوقت العملي في تحويل فكرتك لمشروع.

٢. تجربة الفكرة واختبارها ببناء MVP

الآن عليك أن تشد أحزمتك لتبدأ بتطبيق فكرتك، التي نتمنى أنها ستغير العالم. لكن تطبيق الفكرة قد تغير كثيرا في العقد الأخير. فتنفيذ المشروع الريادي لا يكون بتحويل نموذج العمل إلى خطة عمل ثم تنفيذها كاملة ومن ثم افتتاح المشروع ومقابلة العملاء. فهذه الطريقة أثبتت فشلها عند استخدامها في المشاريع الريادية. لأن المشاريع الريادية تمتاز باحتوائها على فكرة جديدة لا تعرف بعد من هو العميل المناسب لها

المشاريع الريادية تمتاز باحتوائها على فكرة جديدة لا تعرف بعد من هو العميل المناسب لها

لذلك عليك أن تقوم بعمل سلسلة من التجارب لاختبار فكرتك. عدم اختبار الفكرة والانتقال مباشرة للتنفيذ سيجعلك تتكلف كثيرا في بناء منتج لا يريد أحد أن يشتريه.قاوم احساسك بأن فكرتك رائعة وأن العملاء سيركضون خلفك لشرائها. تخلص من الأحاسيس واحصل على بيانات حقيقية تثبت ذلك بالأرقام، وليس بالإحساس. وذلك يعني أنك لن تحصل على هذه الأرقام وأنت في منزلك أو مكتبك، وإنما عليك أن تغادره وتقابل العملاء وتختبر فكرتك معهم.

اختبار أصغر منتج قيم في لين ستارت اب Lean Startup MVP tests

ستختبر من خلال هذه التجارب الكثير من الافتراضات التي قمت بوضعها عن مشروعك. كل تجربة ستختبرها عليك أن تصمم أصغر منتج قيم Minimal Viable Product MVP لتستخدمه في الاختبار.

تجربة أصغر منتج قيم Testing Minimal Viable Product

أولى الاختبارات هي الاختبار الخاصة بالمشكلة. فعليك أن تتأكد من أن المشكلة موجودة لدى عدد مناسب من الأشخاص. فقد تكون المشكلة موجودة عندك أنت فقط. لتختبر المشكلة بإمكانك أن تقوم بعمل استبانة او تجري مقابلات مع عدد من الأشخاص من شريحتك المستهدفة.

بعد ذلك عليك أن تتأكد من أن الحل الموجود لديك يحل هذه المشكلة فعلا. فقد تكون المشكلة موجودة، لكن حلك الذي ستقدمه غير مناسب أو غير مرغوب به لتأدية هذا الغرض. تحتاج هنا لبناء منتج تجريبي أو صور عنه أو أي شيء يساعدك في سؤال العملاء عنه وعن ملاءمته للجمهور. هناك أشكال مختلفة من الـ MVP لتستخدمها خلال المراحل المختلفة من مشروعك، منها: 

  • مقابلة العملاء Interviews
  • صفحة الوصول Landing Page
  • نموذج أولي Prototypes
  • فيديو توضيحي Explainer Videos
  • حملة التمويل الجماعي Crowd Funding Campaign
  • موقع يدوي Manual Website

عندما تجد أدلة كافية تؤكد أن منتجك يحل المشكلة لعملائك، تكون قد وصلت لملاءمة المنتج والسوق Product/ Market Fit وبذلك تكون قد اجتزت مرحلة التجارب.

٣. التجهيز لإطلاق الفكرة وبناء الخطة

الآن لديك أدلة كافية بأن مشروعك يحل مشكلة قائمة لعملاء موجودين. وحان الوقت لتبدأ ببنائه، وتضع الخطط المناسبة.

بناء المنتج باستخدام لين ستارت اب Lean Startup MVP

بناء المنتج لا يكون كذلك ببناء كامل المنتج وبكامل ميزاته كما قد خططت له، وإنما يتم بناؤه بأقل ميزات ممكنة. تسمى هذه الطريقة بالمنهجية الرشيقة أو الآجايل في إدارة المشاريع Agile Software Development . ستساعدك هذه الطريقة في بناء منتجك بأقل التكاليف، ومن ثم إطلاقها واختبارها مع العملاء الحقيقين، قبل إضافة ميزات إضافية. سيساعدك ذلك في إطلاق المشروع بوقت أسرع ويساعدك في إضافة الميزات الأهم للعملاء.

عليك أيضا في هذه المرحلة أن تبني خطة اختراق النمو Growth Hacking. اختراق النمو هو آلية تسويق المشروع، لكن المشاريع الريادية تستخدم مصطلح "اختراق النمو" لأنها تجعل الريادي يفكر في الهدف الأساسي من العملية، وهو زيادة النمو عن طريق زيادة عدد العملاء/ المستخدمين/ الزوار لمشروعك. عليك أن تضع الخطة التي ستستخدمها لنشر مشروعك وزيادة عدد زواره. بإمكانك بالبداية استخدام الطرق المجانية المتاحة نظرا لمحدودية ميزانيتك، ولكي تجذب عددا محدودا من العملاء ليقوموا بتجربة موقعك وتقوم بتطويره بعد مقابلتهم. ثم تستخدم طرقا أكثر فعالية لجذب أعداد أكبر. 

وعليك أن تسعر منتجك بالشكل المناسب، فلو سعرت المنتج بشكل مبالغ فيه، ستخسر الكثير من العملاء، ولو سعرته بشكل أقل من المناسب فإنك ستخسر فرصة للربح. وعليك أيضا تحديد المقاييس الهامة لمشروعك والتي عليك متابعتها لتتأكد من نمو مشروعك وسيره بالشكل المناسب. فهل عليك قياس عدد الزوار اليوميين أو عدد المشتركين أو مدى فعاليتهم على موقعك؟ وأي تلك المقاييس يجب أن تزيدها أو تحافظ عليها؟

 كما عليك التأكد من ربحية مشروعك وذلك بدراسة النموذج المالي لمشروعك (استخدام دراسة الجدوى غير فعالية في المشاريع الريادية، نظرا للتغيرات الكثيرة التي ستطرأ على مشروعك والتي تجعل دراسة الجدوى غير نافعة بعد أيام من إطلاقك لمشروعك. 

من الممكن أن يكون مشروعك عبارة عن منصة متعددة الأطراف Multi Sided Platform MSP، فعليك عندها دراسة هذا النوع من المشاريع والتخطيط له بشكل مناسب. ومن الممكن أن يكون مشروعك عبارة ريادة مجتمعية Social Entreprise فعليك أيضا أن تدرس ذلك وتأخذه بعين الاعتبار.

كل هذا التجهيز والتخطيط سيفيدك لتطلق مشروعك بالشكل الأفضل. بعد انهائك لجميع هذه التجهيزات، سيكون الوقت قد حان لتقوم بأحد أهم الخطوات في حياتك، في أن تطلق مشروعك الريادي الذي لطالما حلمت به.

٤. إطلاق المشروع الريادي والبدء بالتعديل والتحسين

الآن ستطلق مشروعك وتقفز من على الهاوية التي تحدثنا عنها في بداية المقالة.

إطلاق المشروع الريادي بطريقة لين ستارت اب Lean startup

فعلى العكس من المشاريع التجارية الذي يتحول المشروع فيه بعد الإطلاق إلى مرحلة التشغيل وتنفيذ الخطة، فإن المشروع الريادي يختلف كثيرا. حيث أن العمل والتخطيط الحقيقي يبدأ بعد الإطلاق. فإطلاق المشروع هو بحد ذاته تجربة إضافية من تجارب المشروع. لكن في هذه المرة ستجرب المشروع وأنت في الهواء تسقط سقوطا حرا باتجاه الأرض. لا مجال لك للتراجع الآن، فقد استثمرت وخططت كفاية لمشروعك.

يؤسفني إخبارك أنه وبمجرد إطلاقك للمشروع، ستكتشف بأن معظم خططك قد فشلت، وأن الكثير من توقعاتك حول مشروعك كانت خاطئة. الجميل في ذلك، أنه طبيعي جدا لذلك لا تتأسف على شيء، وإنما عليك أن تعرف كيف ستتصرف.

عليك في البداية  أن تختبر وتتأكد من خطة اختراق النمو التي وضعتها. هل طرق جذب العملاء تجذبهم بالفعل؟ هل تمكنت من الحصول على العدد الكافي من الزوار؟ هل تمكنت من تحويلهم بفعالية من زوار إلى عملاء؟ ما هو التعديل الذي ستقوم به؟

عليك أيضا أن تبدأ بمراقبة ومتابعة المقاييس الهامة التي وضعتها. فهل الأرقام مناسبة؟ كيف ستحسنها؟ 

وبالنسبة لمنتجك الذي أطلقته، سبق وأخبرتك بأنه تجريبي، هل تعرف لماذا؟ لأنه سيحوي الكثير جدا من الأخطاء والمشاكل. مهما كنت دقيقا في عملك، فإنك ستترك وراءك الكثير من المصائب. عليك أن تبدأ بمقابلة العملاء والتأكد معرفة مشاكل مشروعك وحلها وتعديلها. ركز في المشاكل الأهم، أما المشاكل الثانوية (ذات العلاقة بالتصميم مثلا) فقد يكون عليك تأجيلها وتركها تحترق Let it Burn. ونظرا لأنك قمت ببناء منتجك بالطريقة الرشيقة أو طريقة الأجايل فإنك أطلقت مشروعك بأقل عدد من المميزات. عليك الآن أن تقابل العملاء وتتعرف على الميزات التالية التي عليك إطلاقها. بعد مقابلتك للعملاء ستتعرف على ما يهم فعلا من ميزات، وستكتشف أن بعض الميزات التي وضعتها في خطتك غير مهمة أبدا لعملائك.

ستظهر مشكلة جديدة بعد إطلاقك لموقعك، وهو أن بعض العملاء (مهما بذلت جهدا في التخطيط) سيعانون أثناء استخدام موقعك. سيجدون بأن منتجك صعب الاستخدام أو يستخدمونه بشكل خاطئ بشكل يؤثر سلبا على تجربتهم. لذلك عليك أن تقابلهم وتدرس تجربتهم وتطور وتسهل من آلية استخدام الموقع أو التطبيق بناء على نصائحهم.

ستتابع فترة هامة بعد إطلاق موقعك وأنت تراجع هذه الأعمال، اختراق النمو والمقاييس الهامة وتطوير الموقع وتجربة العميل. ستعيدها وتراجعها مرارا إلى أن تحفر جميع أرقامها في مخيلتك. قد تحفر في مخيلتك لدرجة أنك لن تنساها حتى بعد مرور سنين عديدة على إطلاقك للموقع.

ففي مقابلة حديثة مع بيتر ثيل أحد مؤسسي بي بال Paypal، تحدث عن الأرقام الخاصة بشركة بي بال وذلك بعد 17 سنة من بيعها لشركة إي بي eBay. بيتر ثيل ذكر أرقام المستخدمين في بي بال. فذكر بأنه كان يريد نسبة النمو أن تكون بمقدار 7٪ يوميا، وذلك يعني أننا سنصل إلى 1000 مستخدم في نوفمبر 1999، ثم إلى 1000 ألف مستخدم فبراير 2000. كان بيتر يعيش دوما مع هذه الأرقام. لقد كان يدرسها ويكررها ويراقبها يوميا إلى أن حفرت في ذاكرته، إلى الأبد.

هدفك في هذه المرحلة أن تتأكد دوما من وجود الملاءمة بين المنتج والسوق Product/ Market Fit، وذلك بأنك تقدم المنتج المناسب للعميل المناسب. وعليك أن تتأكد من ملاءمة نموذج العمل للسوق Business Model/ Market Fit وذلك يعني أن تتأكد من أنك تمكنت من تطبيق نموذج عملك بشكل مناسب وحققت ما فيه، وبشكل خاص الإيرادات. فحصولك على الإيرادات من بيع منتجك هو أهم علامات الملاءمة لنموذج العمل (لكن ذلك يختلف حتما بحسب طبيعة المشروع). بمجرد تحقيقك لذلك، يتبقى لك خطوتين فقط لتنهي هذه الخريطة.

الخطوة ما قبل الأخيرة تكون بأن تبدأ البحث عن مستمثرين. فالبحث عن مستمثرين قبل هذه المرحلة لن يكون مغريا كثيرا لهم. فالمستمثر لن يهتم بفكرة لم تنفذ. ولن يهتم عادة بفكرة لم تصل بعد للملاءمة مع نموذج العمل وذلك لتثبت له بأنك اختبرت نموذج العمل في السوق ونجحت في الاختبار. أما إن تأخرت في البحث عن المستمثر عن هذه المرحلة فإن هذا قد يعني أن هناك من سيرى فكرتك ويعجب بنجاحها فيقوم بسرقتها وتنفيذها، وحتى منافستك وهزيمتك (إن كانت لديه موارد تفوقك). لذلك يجب ادخال المستمثرين في الوقت المناسب في مشروعك.

ما هي فائدة المستمثر؟ المستمثر سيوفر لك العديد من الأشياء، أهمها المال. لكن لماذا المال؟

وهنا تأتي الخطوة الأخيرة، وهي خطوة تكبير مشروعك Scaling Up. فبعد أن تثبت فكرة مشروعك عليك أن تبدأ بضخ كميات كبيرة من المال في مشروعك لتكبره بأسرع شكل ممكن. حيث أن الخطوات السابقة جعلتك تثبت أن مشروعك بحجم صغير هو مشروع ناجح، وعليك أن تكبره وتكبر نجاحه ل١٠ أضعاف أو أكثر. المال سيكون العصب الرئيس للتكبير لأنه سيمكنك من التوظيف والتسويق وتطوير مشروعك.

بعد هذه الخطوة تكون قد أنهيت خطوات بناء مشروعك، ويكون قد تحول لشركة. ذلك يعني أنه لم يعد مشروعا ناشئا، وأصبحت بحاجة لأدوات مختلفة لإدارته.

إتمام خريطة المشروع الريادي

أتمنى أن تكون المقالة قد وضحت لك ما تحتاج أن تعرفه عن إطلاق المشروع الريادي. ننصحك أن تتوقف عن القراءة وتبدأ التطبيق بأسرع وقت ممكن، وأن تعود وتراجع المقالة بين فترة وأخرى أثناء التطبيق.

لا تخف من أن تقفز من على الجبل، لكن عليك أن تكون مرنا وسريعا كفاية لتتمكن من إنجاح مشروعك بأسرع وقت ممكن. ريادة الأعمال ليست سهلة، وإلا لقام بهالجميع. فليس الجميع لديهم الجرأة على القفز. ابدأ الآن خريطة مشروعك الريادي من هنا :)