تفشل 90% من المشاريع الناشئة في الأسواق العربية وكذلك في الأسواق العالمية، هذه النسبة المستندة إلى Forbes قد تبدو صادمة ولكنها حقيقة... مع سعي الجميع إلى الحصول على حياة أفضل، و مسار وظيفي متميز أكثر يتناسب مع مفاهيم الشغف والطموح لديه، نجد تزايدا كبيرا في عدد المشاريع الناشئة، ومن هذا المنطلق ولأهمية فهم سبب هذه النسبة الصادمة، كان لا بد من التركيز على الأمور التي يجب التفكير بها قبل تأسيس المشروع.

كتاب "صفر إلى واحد" لمؤلفه "بيتر ثيل" الريادي والمستثمر وصاحب مشاريع استثمارية كبيرة منها PayPal، الذي قام بأول استثمار خارجي كان له سنة 2004 في فيسبوك، ثم قام بالاستثمار وتمويل العديد من الشركات الكبرى المعروفة في بداياتها مثل LinkedIn و Yelp و SpaceX و Airbnb. هذا الكتاب يحاول فهم ما وراء فشل الغالبية العظمى من المشاريع الناشئة ويحاول الانتقال بنا لمستوى آخر ومختلف تماما من التفكير.

اسم الكتاب صفر إلى واحدZero to One يجمل المعنى الذي يريد المؤلف إيصاله، باختصار فإن نجاح المشاريع يكمن في قدرتها على الانتقال من مرحلة اللاشيء "صفر" إلى مرحلة توفير الإضافة الجديدة للعالم وللسوق بأفكار معاصرة تناسب طبيعة الحياة التي نعيشها وهي معنى الرقم "واحد" الذي سيصبح وصفه لاحقا ب "التكنولوجيا "، على العكس من ذلك، يريد المؤلف إجمال فشل المشاريع الناشئة باقتصارها على ما يسميه الانتقال من "واحد" إلى "واحدات" وهو أن تقوم الشركة على فكرة نسخ أو تكبير ما هو موجود أصلا من أفكار في العلم و السوق "واحدات" ، أو بأحسن تقدير القيام بفكرة تحسين الموجود أصلا بإضافة بعض التعديلات عليه ليبدو مختلفا وهو " اثنين" ، هذان الخياران هما ما يوصف لاحقا في الكتاب بفكرة "العولمة".

يحيطك الكتاب بمجموعة من الأفكار المهمة والمقاربة لواقع سوق العمل العالمي بأمثلة عديدة لشركات كبرى، بهدف حثّ القارئ على الوصول إلى المشاريع ذات التكنولوجيا الجديدة، والابتعاد عن فكرة التقليد والإعادة، وبالطبع فإن المؤلف لا يتحدث عن وصفات سحريّة جاهزة يجب اتباعها للوصول إلى المشروع المثالي المبتكر، لذلك فهو عبارة عن إضاءة وتمرين عقلي يستحسن بصاحب المشروع الناشئ التفكير بها واختبار فكرة مشروعه في ضوئها (تعرف على اختبار وقياس أصغر منتج قيم MVPالتي تساعد في إتاحة الفرصة لرائد الأعمال للقيام باختبار الافتراضات التي بنى منتجه عليها على عملاء حقيقيين للتأكد من صحة أو خطأ هذه الافتراضات)

المنافسة مقابل الابتكار

تشربنا منذ الصغر روح المنافسة بمنحاها الإيجابي والسلبي، ففي المدرسة تعلّمنا أن ندرس لنحصل على علامة أفضل لنكون من الأوائل، وغالبا فإن المعظم منا مر بتجربة سؤال أهله عن علامات أقرانه في الصفّ من باب المقارنة، والتي لا يسلم منها المتفوقون الذين يتعرضون لسؤال أهلهم " هل هناك طالب حصل على علامة أعلى منك؟"، وفي الجامعة كذلك الأمر... حتى وصلنا إلى سوق العمل بتصوّر مفاده أن التميز بالوظيفة يكون بالمقارنة مع الآخرين والتغلب عليهم، وأن إنشاء المشروع الخاص بنا سيكون بناء على الانتصار في معركة المنافسة مع إحدى الأفكار القائمة لا على ابتكار فكرة جديدة. بالإضافة إلى أننا لم ننشأ على فهم فكرة المغامرة والإقدام، فنشأ جيل واسع بين مُخاطر متهور و حريص مُحجِم.

يقول المؤلف أن الدخول الخاطئ لسوق العمل يكون بالاعتماد على البحث عن المنافسين (تعرف على أهمية أن يكون لديك منافسين) وتكرار الطريقة التي عملوا بها، فهذه الطريقة ستنتج صورة مطورة ومعدلة من المشاريع الموجودة أصلا، يبدأ المشروع الناجح بالسعي للتفرد بفكرة جديدة مع دراسة احتمالية المنافسة التي ستحصل لا العكس، حيث أنه يجدر بالمنافسة أن تدخل ضمن أطوار الشركة لتكون أداة للتميّز في السّوق لكن الخطأ كل الخطأ أن تكون هدفاً بحدّ ذاتها.

كما يضيف أن المنافسة لا تعود بالفائدة على أصحاب الشركات، هي فقط استنزاف للموارد وتقليل للأرباح بتجزيئها بين المنافسين وعدم دخول أفكار جديدة للسوق، لذلك فالدخول للسوق يجيب أن يكون لتلبية رغبات وحاجات موجودة ولكنها غير ملبية للزبائن بعد.

الأسرار

لماذا لا نفكر بالجديد؟ لماذا لا نسعى للبحث عن الأسرار، أم أنه لم يعد هناك العديد منها بوقتنا الحالي؟

يثري المؤلف النقاش بطرحه هذا السؤال، حيث يقصد الكاتب بالأسرار هنا هي كل اكتشاف جديد يعود بالفائدة على هذا العالم، ويشير إلى أنه وبالفعل قَلّتِ الحاجة للبحث عن الأسرار مع التطور التكنلوجي الحاصل، حيث يسود إحساس بيننا مفاده الوصول الفعلي لأقصى الاختراعات والاكتشافات، بالإضافة إلى الخوف من التعب والمحاولة بدون نتيجة.

وهنا يشير إلى أنه دائما هناك أسرار موجودة في حياتنا علينا اكتشافها، لم تنته الأسرار باكتشاف الكرة الأرضية، أو باختراع الكهرباء والهاتف، المشاريع الناشئة يجب أن تكون اكتشاف لواحدة من الأسرار التي تتبدل بتغير الزمان، فبالغالب في عصرنا هذا تكون الأسرار عبارة عن دمجٍ بين قطاعين مختلفين لتحقيق خدمة أو منتج جديد مثل الدمج بين قطاع المواصلات والتكنلوجيا بمشروع "كريم Careem "، والدمج بين قطاع السياحة والفنادق والتكنولوجيا بمشروع “booking.com” وغيرها الكثير من المشاريع.

فالأسرار الجديدة قابلة للاكتشاف، وهي بحاجة لمن يبحث عنا ويظهرها باستغلال التطور التكنلوجي والحاجة الدائمة والمتغيرة للبشر والتي كما ذكرت لم تلبى بعد.

تأسيس وتطوير المشروع

يذكر المؤلف بعض النقاط والأفكار التأسيسية التي يجب دراستها بعناية قبل البدء بتكوين المشروع وذلك لتحقيق التفاهم والانسجام ومنها اختيار شريك العمل الذي يعتبر المهمة الأصعب في التأسيس لما لها ارتباط مباشر بسير العمل في المراحل المتقدمة وشبه الكاتب اختيار شريك العمل كاختيار شريك الحياة بالأهمية، كما ويذكر بعض الملامح والأمثلة لفريق العمل الذي يجب أن يكون متناغم رغم الاختلاف الذي سيحقق تعدد وإثراء للخبرات الفردية لديهم.

ومن الناحية التطويرية للمشاريع الناشئة فهي تتركز حول رفع القيمة التسويقية والجودة بحيث تخلق بعدا أعلى وأكبر من مجرد المنافسة، فالمنافسة بطبيعة الحال ستكون موجودة لكن يجب إيجاد قيمة تنافسية وجودة عالية للخدمات والمنتجات كالمخاطرة الذكية مثلا من أهم العوامل الأولى التي تشجع صاحب المشروع على التأسيس والتطوير، وامتلاك تكنلوجيا وبرمجة مميزة وصعبة مثل google و Amazon، وكذلك تمييز العلامة التجارية في السوق مثل ما تفعل Apple.

بخلاصة سريعة للكتاب، فالكاتب يؤكد على أن أسواق العمل في كل بلدان العالم لا تحتاج المزيد والمزيد من المشاريع المتكررة، بل يحتاج العالم لما هو أفضل من ذلك بإستكشاف أسرار وأفكار من شأنها أن تحقق إضافة الى العالم لا أن تتماشى معه فقط، وذلك يتحقق فقط بالتمهل في اختيار الفكرة واختبارها لا التسلق السريع إلى سوق العمل بأي مشروع.

للإطلاع أكثر علىأهم الكتب في ريادة الأعمال وإطلاق المشاريع الريادية اضغط هنا