كثيراً ما يتم تصوير القادة القادرين على إنعاش المؤسسة على أنهم كائنات استثنائية ذات خصائص شخصية غير عادية خاصة بهذا النوع من القيادات. إلا أن نتائج الدراسات الحديثة تكذب هذا الافتراض.

ليس من الضروري أن يمتلك القائد قدراً من الكاريزما مثل باراك أوباما، ولا أن يكون شديد التواضع مثل الدالاي لاما، ولا أن يكون ثورياً مثل جاك ويلش، كي يُحدث تغييراً في منظمة ما، أو يشجع فريقه على استخراج أفضل ما عنده.

بدايةً، يجب أن نتذكر أن القيادة التحويلية كانت موضوع العديد من الدراسات على مدى الثلاثين سنة الماضية،وقد ارتبط هذا النوع من القيادة مع مجموعة من الآثار الإيجابية التي ظهرت في المنظمات مثل: زيادة الالتزام والابتكار والراحة النفسية لدى الموظفين وتمكين العمال وكذلك ارتفاع مستوى الأداء الوظيفي الذي لا يقاس ببساطة بمجرد تحقيق الأهداف ولكن بتجاوزها.

إن معظم الأبحاث حول القيادة التحويلية – بحدود 90 ٪- ركزت على النتائج، بينما القليل منها ركّز على الأسباب والأمور التي تسبق النتائج .

لهذا السبب سعينا لاستكشاف وتقديم فهم أفضل حول القيادة التحويلية من حيث السوابق وليس من حيث النتائج، وسنوضح في هذا المقال ما دور السمات المرتبطة بالشخصية والسمات المرتبطة بالظروف وبالحافز وبالالتزام، وهل هي التي تضمن أن يكون أحدالقادة استثنائياً أكثر غيره؟

سابقاً كنا نعلم …

أظهرت الأبحاث حتى الآن أن القادة التحويليين لديهم قدرة كبيرة على تحفيز موظفيهم باتجاه تجاوز مصالحهم الشخصية من أجل العمل للصالح العام للمنظمة.

يحقق هؤلاء القادة غاياتهم بالاعتماد على ثلاثة سلوكيات أو ممارسات إدارية:

  1. يُراعي القائد التحويلي الوضع الشخصي للأفراد الذين يعملون معه، وذلك من خلال إظهار الاحترام والاهتمام بموظفيه، والسعي لتطويرهم وتلبية احتياجاتهم.
  2. يستخدم القائد التحويلي مبدأ ” التحفيز الفكري” لتشجيع الموظفين على التفكير بشكل مختلف، وعلى الإبداع والتحدي في تشكيل فرق العمل والمنظمات.
  3. يأتي دور الكاريزما (المثل الأعلى) وذلك عندما يحفز القائد فريقه على التفوق من خلال تقديم رؤية جذابة للمستقبل، بالإضافة إلى تبنيه سلوكيات ومواقف مثالية، ممايجعل منه نموذجاً يُحتذى به.

بالطبع إن الشخصيات البارزة في عصرنا تجسد خصائص محددة ونموذجية تتعلق بالقيادة التحويلية، مثلاً الزعيم الهندي غاندي جلب الأمل لشعب كامل، ودفعه كي يقوم بتغيير واقعه بنفسه، والمخترع الأمريكي ستيف جوبز، الذي أحدث ثورة في صناعة الكمبيوتر دفعت شركة آبل لتصبح في صفوف الشركات الأكثر ابتكاراً.

من السهل جداً التصديق بأن قادة التحول يجب أن يكونوا بالتأكيد أفراداً متميزين من حيث الكاريزميا، والنظرة الواثقة بالمستقبل، والقدرة على الإبداع والابتكار، وتغيير منحى المنظمة التي يعملون بها، بالإضافة إلى رحلة حياة غير عادية، إلا أن نتائج الأبحاث الجديدة تكشف عن عنصر أكثر سهولة في الوصول إلى هذا النوع من القيادة.

اليوم أصبحنا نعلم …

تظهر الأبحاث الجديدة أن مجموعة كبيرة من السمات المرتبطة بالشخصية وبالإطار العام وبالدافع ترتبط بشكل كبير مع ظهور القيادة التحويلية.

1- الخلفية المتعلقة بالشخصية

بداية يجب على قائد التحول أن يتمتع بشخصية اجتماعية مميزة، بمعنى يجب أن يكون منفتح القلب واجتماعياً ويميل لاستشارةالآخرين، ومشاركتهم في صناعةالقرار، أما العقل التحليليوالذي يهتم بالتفاصيل فإنه لا يتناسب مع متطلبات قيادة التحول.

لذلك من المهم الإشارة إلى أن السمات ” الاستثنائية ” مثل: الإبداع والابتكار والتواضع – والتي كان يعتقد سابقاً أنها مرتبطة بقيادة التحول–ثبت لدينا من خلال الأبحاث أن وجودها لا يعتبر سمةً لهذا النوع من القيادة.

من جهة ثانية أشارت الأبحاث إلى أن السمات الشخصية المرتبطة بقيادة التحول وبشكل خاص : المستوى العالي من الانطواءوالاهتمام بالتفاصيل، هي – في النهاية – سمات شائعة بين القادة ، بغض النظر عن أسلوب الإدارة الذي ينادي به الفرد.

وبعبارة أخرى، لايحتاج المدير إلى امتلاك خصائص شخصية غير عادية ليُنظر إليه على أنه قائد تحويلي من قبل أعضاء فريقه.

2- الخلفية ذات الصلة بالإطار العام

من الأمور التي تميز القائد التحويلي أيضاً قدرته على خلق ثقافة الابتكار والتفوق والمبادرة. وكذلك إيجاد نوع من الارتياح تجاه الثقافات التنظيمية التي تساعد في إحداث التغيير والتوجيه الجماعي.

تشير نتائج الدراسة إلى أن تصور المدير لسياقه التنظيمي يؤثر في أسلوبه القيادي. لذلك ينظر إلى المدير على أنه أكثر قدرة على التحويل من غيره عندما يشعر فريقه أنه يتطور في منظمة تقدر السعي وراء تحقيق أهداف عالية (الابتكار والأداء والذكاء) وتعزز القيم الإنسانية (التعاون، الدعم، النظر).

3- الخلفية المرتبطة بالدوافع

أخيراً، إن القادة الذين يُظهرون إصراراً على العمل وحماساً للتعلم سيكونون تحويليين بقدر كبير.

من المثير للاهتمام، أن هذه الدوافع مرنة وتتطور بسهولة، وذلك من خلال تنفيذ المهام الصعبة – على سبيل المثال– أكثر من الجوانب المرتبطة بالشخصية.

بالإضافة إلى ذلك، تكشف الأبحاث أن الالتزام العالي من المدير تجاه زملائه في المنظمة، يعتبر عاملاً تحفيزياً رئيسياً وذو صلة بظهور القيادة التحويلية.

بالإضافة لما سبق تسلط الدراسة الضوء على إمكانية اختيار وضمان تطوير القادة التحويليين في المنظمات التي تستخدم الخلفيات التي تحدثنا عنها كأدوات للتحفيز.

وفي الختام، يبدو أن الصفات الشخصية المطلوبة من القائد في المنصب الإداري مثل: (الانفتاح، والاهتمام المعتدل بالتفاصيل) جنباً إلى جنب مع اندفاعه للتعلم والتزامه بالزملاء وبالتزامن مع الثقافة التنظيمية المناسبةكل ذلك يمثل الشروط التي تسهل ظهور قادة التحول داخل المنظمة .

في ضوء هذه النتائج، يمكننا أن نطرح هذا السؤال: هل قادة التحول هم كائنات استثنائية أو هم بالأحرى نوع عادي من الناس كما نعتقد نحن؟

ملاحظة:

تمت ترجمة المقال من مقالة لمجلة جيستيون gestion الجزء 40 رقم 2 صيف 2015. رابط المقال الأصلي.

المقال الأصلي من كتابة:

– جان سيباستيان Jean-Sébastien Boudrias : أستاذ مشارك في جامعة مونتريال.

– إيريك برنويل Eric Brunelle: مدير ومحرر مجلة جيستيونGestion.